الذكاء الاصطناعي في قاعات المحاكم: إرشادات اليونسكو الجديدة للسلطة القضائية
- IB Assisstant
- 5 days ago
- 4 min read

ضياء ثابت
طوّرت منظمة اليونسكو الإرشادات الجديدة لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم والهيئات القضائية استجابةً للتسارع غير المتكافئ في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل أنظمة العدالة حول العالم. وتهدف هذه الإرشادات إلى تقديم مبادئ عملية وضمانات ومباديء تضمن أن يعزّز الذكاء الاصطناعي العدالة التي يقودها الإنسان، بدلًا من أن يقوّضها.
الواقع الراهن للذكاء الاصطناعي وانظمة العدالة
تتوقف العدالة اليوم عند حدود الانتظار بالنسبة لملايين الأشخاص حول العالم. ففي إحدى دول جنوب آسيا، يوجد ما يقرب من 53 مليون قضية معلّقة، وقد بقي الكثير منها من دون حسم لأكثر من ثلاثين عامًا، في وقت لا يستطيع فيه عدد القضاة مواكبة هذا الحجم الهائل من القضايا.
في المقابل، توفّر أدوات الذكاء الاصطناعي — ولا سيما نماذج اللغة الضخمة (LLMs) وتقنيات الأتمتة — فرصًا واعدة للتخفيف من هذا العبء. ففي الأرجنتين، على سبيل المثال، سهل المساعد الافتراضي القائم على الذكاء الاصطناعي Prometea العاملين في المجال القانوني على معالجة نحو 490 قضية شهريًا، مقارنة بـ 130 قضية فقط قبل إدخاله، أي ما يعادل زيادة تقارب 300% في الإنتاجية. وفي مصر، أسهم إدخال أنظمة التفريغ الآلي للجلسات في عام 2024 في تعزيز كفاءة المحاكم وتحسين إمكانية الوصول إلى مجريات التقاضي.
تقف السلطة القضائية اليوم في العالم، على منصة صدارة التحولات المتسارعة التي يحدثها الذكاء الاصطناعي؛ إذ أصبحت المحاكم تواجه أدلة مولّدة بالذكاء الاصطناعي، وأدوات مساعدة في إصدار الأحكام، وعمليات إدارية تتجه بشكل متزايد نحو الأتمتة. وبينما يُعدّ القضاة حماة حقوق الإنسان والعدالة والمساءلة، فإنهم لا يستطيعون التعامل مع هذه التحولات وحدهم. إن تأثير الذكاء الاصطناعي على أنظمة العدالة حقيقي، وغير متكافئ، وغالبًا ما يكون غير متوقّع.
وفي هذا السياق، واجهت المحكمة العليا في المملكة المتحدة هذا العام تحديًا غير مسبوق، حيث قدّم محامون في قضيتين منفصلتين مرافعات قانونية مولّدة بالذكاء الاصطناعي، تضمنت إحالات إلى قضايا غير موجودة أصلًا. وكانت النتيجة إهدارًا في التكاليف القانونية، وتأخيرات جسيمة في الإجراءات، وفرض غرامة قدرها 5,000 دولار على عدد من المحامين المعنيين.
وفي تحذير واضح، أكدت القاضية البارزة دام فيكتوريا شارب أن إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي قد تترتب عليها «تداعيات خطيرة على إدارة العدالة وعلى ثقة الجمهور في النظام القضائي».
إرشادات اليونسكو لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم والهيئات القضائية
تُبرز هذه الوقائع الحاجة الملحّة إلى إرشادات اليونسكو لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم والهيئات القضائية، والتي جرى تطويرها بتعاون وثيق مع خبراء القانون ومؤسسات التدريب القضائي حول العالم. ومن المقرر الإطلاق الرسمي لهذه الإرشادات خلال مائدة أثينا المستديرة حول الذكاء الاصطناعي وسيادة القانون في لندن بتاريخ 4 كانون الأول/ديسمبر 2026.
وتتضمن هذه الإرشادات 15 مبدأً أساسيًا لتوجيه المؤسسات والأفراد في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي واقتنائها واستخدامها بشكل أخلاقي وبما يحترم حقوق الإنسان احترامًا كاملًا. وتشمل هذه المبادئ الموجهة للأجهزة القضائية ومختصي قطاع الذكاء الاصطناعي:
أمن المعلومات، وقابلية التدقيق، والإشراف البشري، وصنع القرار القائم على الإنسان.
كما تتضمن الإرشادات توصيات موجهة إلى كل من المؤسسات القضائية وأفراد السلطة القضائية، تركّز على الإجراءات الواجب اتباعها في جميع مراحل دورة حياة أي نظام ذكاء اصطناعي. وتمثّل هذه الإرشادات كذلك مرجعية معيارية لتطوير إرشادات وطنية ومحلية تتلاءم مع السياقات المختلفة.
نتائج المسح العالمي لليونسكو 2024 حول استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء
أظهر المسح العالمي الذي أجرته اليونسكو في عام 2024 فجوات مقلقة؛ إذ كشف أن 9% فقط من العاملين في القطاع القضائي تلقّوا تدريب أو معلومات متعلقة بالذكاء الاصطناعي، رغم أن 44% منهم استخدموا بالفعل أدوات ذكاء اصطناعي في عملهم. كما رأى 73% من المشاركين ضرورة وجود لوائح تنظيمية وإرشادات إلزامية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء.

ومن المميز ان السلطة القضائية في العراق قد التفت الى هذا الخطر مبكرا واطلقت شراكة واقعية مع يونسكو العراق عبر قطاع الاتصالات والمعلومات فدربت اكثر من ٢٠٨ قاضي وادعاء عام على (تحسين الدراية الرقمية والمعلوماتية، الذكاء الاصطناعي وادوار القضاء) واسست مجلس قضاة حرية التعبير عن الرأي ليعزز دور محاكم النشر والاعلام وهي تجربة رائدة بالمنطقة العربية وشمال افريقيا.
ومؤخراً، ادخل معهد القضاء العراقي مادة الذكاء الاصطناعي ككورس اساسي لخمسة اشهر ضمن المنهاج الدراسي للمعهد وهي خطوات أثارت إعجاب المجتمع الدولي.
وعليه، فإن إطلاق هذه الإرشادات لا يُعدّ رفاهية، بل ضرورة ملحّة.

رسالة من قلب الميدان
الرسالة القادمة من أرض الواقع واضحة: عندما تتوافر المعايير السليمة والتدريب المناسب، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في تسريع العدالة وتحقيقها على نحو أكثر إنصافًا، شرط أن يبقى دائمًا مرتكزًا على الحكم البشري.
وهنا تؤكد اليونسكو التزامها بدعم الإنسان في صميم عمل المحاكم. وفي ظل معاناة أنظمة العدالة حول العالم من ضغط القضايا المتراكمة والتحولات التقنية السريعة، ستوفّر هذه الإرشادات الإطار المعياري اللازم لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي داعمًا — لا بديلًا — للحكم القضائي الذي يقوده الإنسان.
مبادرة قضاة اليونسكو
منذ عام 2013، قامت مبادرة مجلس قضاة اليونسكو لحرية التعبير بتدريب أكثر من 36,000 من العاملين في القطاع القضائي في 160 دولة حول قضايا حرية التعبير، وإمكانية الوصول إلى المعلومات، وتطبيقات وتأثيرات الذكاء الاصطناعي في أنظمة العدالة. وقد تلقّى هؤلاء القضاة تدريبهم عبر دورات تعليمية إلكترونية مفتوحة (MOOCs)، وتدريبات ميدانية، وورش عمل لقضاة المحاكم العليا، إضافة إلى إصدار عدة أدلة وأدوات إرشادية سابقة.
وكان لهذه المبادرة دور محوري في تطوير هذه الإرشادات ومراجعتها علميًا؛ إذ سهّلت أكثر من 100 مساهمة من 41 دولة خلال المشاورات العامة لعام 2024، كما نسّقت مراجعات خارجية شارك فيها 20 قاضيًا وخبيرًا قانونيًا ومحاميًا ومتخصصًا في التكنولوجيا. وتمثّل هذه الإرشادات محطة مفصلية في الجهود المستمرة لبناء القدرات وتعزيز تبادل المعرفة داخل السلطة القضائية العالمية.




Comments